توقعات أمريكا اللاتينية في ظل رئاسة ترامب- تحالفات جديدة وتحديات متزايدة

في علاقات قادة أمريكا اللاتينية مع الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا، دونالد ترامب، لا يوجد مجال للحياد، إذ لا مفر من التعامل مع واشنطن التي لا تنفك عن تأدية دور "الوصي" على دول القارة اللاتينية.
وبغض النظر عن اللهجات المتنوعة في رسائل التهنئة التي تدفقت على الرئيس المنتخب ترامب، فإنها تعكس بجلاء عمق التناغم أو التباين بين قادة المنطقة وترامب، وتنبئ بطبيعة العلاقة بين هذه الدول والإدارة الأمريكية في السنوات الأربع المقبلة.
الأمر المؤكد حتى اللحظة، أن فوز ترامب يمثل السيناريو الأشد وطأة على المكسيك، وتعقبها فنزويلا. بالمقابل، يُعد الرئيس الأرجنتيني والمعارضة البرازيلية بزعامة الرئيس السابق بولسونارو، أبرز المقربين لترامب في المرحلة المقبلة.
المكسيك، بقيادة رئيستها المنتخبة حديثًا، كلوديا شينباوم، أمام اختبار عسير، يتطلب الامتثال لتوجيهات الرئيس الأمريكي ترامب، في معالجة ملف الهجرة غير الشرعية، وعصابات المخدرات، والتبادل التجاري بين البلدين، تجنبًا للتهديدات الجدية التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.
والواقع أن هذا الاختبار نجح سلفها، الرئيس السابق أندراس أوبرادور، في تأجيله، وتوصل بشأنه إلى حل وسط مع الرئيس بايدن، على أمل معاودة طرحه عند تجديد ولايته الثانية، لكن ذلك لم يتحقق.
المكسيك التي تربطها بالولايات المتحدة حدود برية تمتد على مسافة 3000 كيلومتر، مهددة اليوم بزيادة الرسوم الجمركية على سلعها المصدرة إلى السوق الأمريكية، بنسبة تصل إلى 25%، إذا لم تتمكن من السيطرة على تدفق جموع المهاجرين غير الشرعيين، من حدودها إلى داخل الأراضي الأمريكية، وفقًا لإنذار الرئيس ترامب، الذي هدد أيضًا بتعليق اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، التي أوشكت على الاكتمال.
كما عمد خلال حملته الانتخابية إلى تحميل المكسيك مسؤولية ملاحقة عصابات المخدرات، بادعاء تغاضيها عن جرائم تهريب المخدرات إلى الأراضي الأمريكية، في محاولة للتنصل من مواجهتها.
ومن الواضح أن الحكومة المكسيكية قد أخذت تهديدات ترامب بمأخذ الجد؛ لإدراكها التام بإمكانية تنفيذها فور توليه السلطة. وهو ما يفسر لهجة التهنئة الحذرة التي قدمتها الرئيسة كلوديا شينباوم، للرئيس ترامب، سعيًا لتهدئة الأسواق المكسيكية، وتطمين المصدرين المتخوفين على معاملاتهم التجارية مع الشريك الاقتصادي الأهم للمكسيك.
في المقابل، بادر الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، خلال مقابلة تلفزيونية، عقب إعلان فوز ترامب، بتقديم تهنئة رسمية، ورسالة جاء فيها: "يتعين على واشنطن أن تتبنى نهجًا مغايرًا مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: نهج التفاهم حتمًا"، وذكّر الرئيس ترامب بوعوده إبان حملته الانتخابية التي ارتكزت على استعادة الولايات المتحدة لقوتها الاقتصادية وريادتها في مجال التكنولوجيا، وتعهده بوضع نهاية للحرب الدائرة في غزة، والحرب بين أوكرانيا وروسيا.
وفيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين فنزويلا والولايات المتحدة، أبدى الرئيس الفنزويلي استعداده للحوار، في إطار الاحترام المتبادل والتعقل، مؤكدًا أن فنزويلا ترحب بالتعاون مع كافة الأطراف التي تلتزم باحترام سيادتها وشؤونها الداخلية.
وعلى النقيض من ذلك، سارع مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس بتهنئة الرئيس ترامب، متحدثًا وكأنه الرئيس المنتخب، متجاوزًا فوز الرئيس مادورو. وعززت زعيمة المعارضة ماريا ماتشادو تلك التهنئة، بتذكير الرئيس ترامب بالدعم الذي قدمه لهم في الماضي، معربة عن أملهم في استمرار هذا الدعم بهدف استعادة فوزهم.
من جهته، اكتفى الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو بتقديم تهنئة مقتضبة للشعب الأمريكي والرئيس ترامب، وافتتحها بالجملة التالية: "ترامب يقول إنه لم يأتِ لإشعال الحروب، بل لوقفها. إذا كان هذا هو الحال، فيمكنك الاعتماد علي! لنتوقف عن الحرب في أوكرانيا، وفي السودان، وفي لبنان، وفي فلسطين".
وأتبعها بدعوة غير مباشرة للرئيس ترامب، لمراجعة حلوله لموجات الهجرة المتجهة شمالًا، قائلًا: إن الحل يكمن في دعم التنمية في مناطق الجنوب لتمكين الشعوب من البقاء في أوطانها، ووضع حد لسياسات الحصار؛ لأن الرؤية التقدمية لا يمكن أن تصفق لجريمة الإبادة في غزة.
وبعيدًا عن رسائل التهنئة الدبلوماسية التي اتسمت بالتشابه في مجملها، من قبل رؤساء تشيلي وبوليفيا والبرازيل، والتي كانت الأقل تفصيلاً، تميزت تهاني رؤساء السلفادور وبنما والإكوادور بعبارات الإطراء والثناء والتوق إلى تعزيز التقارب.
بيد أن تهنئة رئيس الأرجنتين فاقت كل التوقعات، وأثارت جدلاً واسعًا في وسائل الإعلام اللاتينية، حيث أغرق الرئيس ميلي حسابه على منصة "إكس" بما يناهز 20 تغريدة، باللغتين الإسبانية والإنجليزية، تصاحب معظمها صور تجمعه بالرئيس ترامب، مما أثار موجة من السخرية بسبب الدلالات التي حملتها.
وحرص في تهنئته باللغة الإنجليزية على وصف فوز ترامب بالهائل والمذهل، وناشده أن يعيد لأمريكا عظمتها، داعيًا إياه للاعتماد عليه في هذه المهمة. ويبدو أن وصف ردة فعل الرئيس الأرجنتيني على فوز ترامب بـ "الابتهاج" و"الغبطة المفرطة"، من قبل وسائل الإعلام، لا يعكس بالكامل جوهر ما نشره، لكن هذا السلوك ليس مستغربًا على رئيس انفعالي، ذي أطوار غريبة، كان الجميع في الأرجنتين يطلقون عليه لقب "المجنون"، بمن فيهم هو نفسه.
وعلى غرار الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف، نشر زعيم المعارضة البرازيلية، الرئيس السابق جايير بولسونارو، سلسلة من التغريدات، قدم فيها تهنئة حافلة بعبارات الود لـ "صديقه" ترامب، مستذكرًا استعادة فوزه بعد تعرضه في عام 2020 "لانتخابات شرسة واضطهاد قضائي جائر"، على حد تعبيره. وأضاف في تغريدة أخرى أن ابنه، البرلماني إدواردو، يعيش أجواء الانتصار في مقر حملة ترامب؛ نظرًا للعلاقة الوثيقة التي تجمع العائلتين.
جدير بالذكر أن اليميني المتطرف، بولسونارو، الذي تولى رئاسة البرازيل من عام 2019 إلى يناير/ كانون الثاني 2022، وخسر في انتخابات تاريخية، أمام منافسه لولا دا سيلفا في أواخر عام 2022، يستعد لخوض معترك الانتخابات القادمة في أواخر عام 2025، على الرغم من أن الأحكام القضائية الصادرة ضده تمنعه من الترشح.
ويبدو أن الرجل يتطلع إلى فوز وشيك وغير متوقع، برئاسة البرازيل من جديد، لا سيما بعد نتائج الانتخابات المحلية التي شهدتها البرازيل الشهر الماضي، والتي فاز فيها حزب بولسونارو ببلدية العاصمة ساو باولو.
في إحدى تغريدات الرئيس الأرجنتيني ميلي، الموجهة إلى الرئيس ترامب، أشار إلى أن منطقة أمريكا اللاتينية متفائلة بفوزه؛ لأنها ستستعيد بذلك عصر المجد اليميني، من خلال دحر التيار اليساري الاجتماعي.
وهذا ليس بالأمر المستحيل في الواقع، فالأجواء في البرازيل تنبئ بعودة بولسونارو، وكذلك تشيلي تتقدم بخطوات ثابتة نحو طي صفحة الرئيس الشاب اليساري بوريش، والمعارضة اليمينية المتصلبة في كولومبيا لم تعد تحتمل صمود الرئيس بيترو حتى نهاية ولايته الانتخابية، وكذلك تعلق المعارضة الفنزويلية آمالًا عريضة على تحقيق طموحاتها التاريخية بفضل معجزة من ترامب.
سيناريوهات قد تتحقق بدعم أمريكي، إذا أخذنا في الاعتبار حرص ترامب على التصدي للنفوذ الاقتصادي الصيني المتزايد في المنطقة.